| 0 التعليقات ]
أتممت قراءة كتابي جبران خليل جبران 'الأرواح المتمردة' و 'الاجنحة المنكسرة' و أنهيت بعد ذلك قراءة رسائله من خلال كتاب جمع فيه المؤلف أبرز الرسائل التي بعثها جبران خليل جبران لأقرب الناس إليه, عند قراءة تلك الرسائل ستعرف كل صغيرة و كبيرة في حياة الكاتب -حياته الأدبية- الشىء الجميل في الكتاب ترتيبه للرسائل زمنيا, فعند القراءة تلاحظ مسيرة جبران خليل جبران من أين بدأت و كيف إنتهت و كل الصعوبات و الأحاسيس التي مر بها و عاشها, من بين تلك الرسائل توجد رسالة أراها الأكثر تأثيرا من بين كل الرسائل, كتبها جبران خليل جبران في أواخر حياته -قبل شهر من وفاته- و أرسلها إلى مي زيادة يعبر فيها عن شعوره و هو يقترب من نهايته و كيف انه أراد لنفسه أن يقدم أكثر مما قدمه! فبالرغم مما قدمه أنذاك إلى أنه يرى أنه غير كافي و أن أعماله تكاد تكون عديمة القيمة أمام الأعمال التي كان يستطيع نشرها.

نص الرسالة:    
          صحتى اليوم أردأ نوعًا مما كانت عليه في بدء الصيف، فالشهور الطويلة التي صرفتها بين البحر والغاب قد وسعت المجال بين روحي وجسدي، أما هذا الطائر الغريب (يعني قلبه، وقد كان مصابًا فيه) الذي كان يختلج أكثر من مئة مرة في الدقيقة، فقد أبطأ قليلًا، بل كاد يعود إلى نظامه الاعتيادي، غير أنه لم يتماهل إلا بعد أنْ هَدَّ أركاني وقطع أوصالي. إنَّ الراحة تنفعني من جهة وتضر بي من جهة أخرى، أما الأطباء والأدوية فمن علتي بمقام الزيت من السراج. لا، لستُ بحاجة إلى الأطباء والأدوية، ولست بحاجة إلى الراحة والسكون، أنا بحاجة موجعة إلى من يأخذ مني ويخفِّف عني، أنا بحاجة إلى فصادة معنوية، إلى يد تتناول مما ازدحم في نفسي، إلى ريح شديدة تُسقِط أثماري وأوراقي. أنا، يا مي، بركان صغير سُدَّتْ فوهته، فلو تمكنتُ اليوم من كتابة شيء كبير وجميل لشفيت تمامًا، لو كان بإمكاني أن أصرخ صوتًا عاليًا لعادت إليَّ عافيتي، وقد تقولين: «لماذا لا تكتب فتشفى؟ لماذا لا تصرخ فتتعافى؟» وأنا أجيبك: «لا أدري، لا أدري، لا أستطيع الصراخ وهذه هي علتي، هي علة في النفس ظهرت أعراضها في الجسد.» وتسألين الآن: «إذنْ ما أنت فاعل؟ وماذا عسى تكون النتيجة؟ وإلى متى تبقى هذه الحالة؟» أقول: إنني سأشفى. أقول: إني سأنشد أغنيتي فأستريح. أقول: إنني سأصرخ من أعماق سكينتي صوتًا عاليًا، بالله عليك لا تقولي لي: «لقد أنشدت كثيرًا، وما أنشدته كان حسنًا.» لا تذكري أعمالي ومآثري الماضية؛ لأن ذِكْرها يؤلمني، لأن تفاهتها تحوِّل دمي إلى نار محرقة، لأن نشوفتها تولِّد عطشي، لأن سخافتها تقيمني وتقعدني ألف مرة ومرة، في كل يوم وفي كل ليلة. لماذا، لماذا كتبت تلك المقالات وتلك الحكايات؟ لماذا لم أصبر؟ لماذا لم أضن بالقطرات فأدَّخرها وأجمعها ساقية؟ قد وُلِدت وعشت لأضع كتابًا -كتابًا واحدًا صغيرًا- لا أكثر ولا أقل، قد وُلِدت وعشت وتألمت وأحببت لأقول كلمة واحدة حية مجنحة، لكني لم أصبر، لم أَبْقَ صامتًا حتى تلفظ الحياة تلك الكلمة بشفتي، لم أفعل ذلك، بل كنت ثرثارًا، فيا للأسف ويا للخجل! وبقيت ثرثارًا حتى أنهكَتْ الثرثرة قواي، وعندما صرت قادرًا على لفظ أول حرف من كلمتي، وجدتني ملقًى على ظهري وفي فمي حجر صلد. «لا بأس … إن كلمتي لم تزل في قلبي، وهي كلمة حية مجنحة، ولا بد من قولها، لا بد من قولها لتزيل بوقعها كل ما أوجدته ثرثرتي من الذنوب، لا بد من إخراج الشعلة
».

الواضح من الرسالة أن الكاتب جبران لم يكن راضيا على ما قدمه رغم أنi نقش إسمه في تاريخ الأدب العربي, كتبه الأن يقرأها الجميع, ترجمت معظمها الى لغات عديدة.. الرسالة دلالة واضحة على أن الإنسان دائما يريد تحقيق الكثير و الكثير و دائما يرى نفسه ذلك الشخص الذي سيقدم شيئا عظيما للعالم, شيئا يبقى خالدا طوال سنوات كثيرة و لكن يأتي لمرحلة يرى تلك الأحلام تلاشت أو أنه حقق ما أراد و لكن حلمه أصبح أكبر مما كان سابقا! -التعبير يعجز مع هذه الرسالة-.

0 التعليقات

إرسال تعليق